فضل العلم والعلماء الربانيين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه وسلم وبعد. فان مما ابتلينا به في هذا الزمان كثرة الكذب والطعن على اهل العلم وطلابه.والخوض في امور تقال عنهم دون التثبت ودون مراعاة لمصلحة او مفسدة.ونسيان ان الله سبحانه وتعالى قد زكاهم في كتابه فقال(هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولو الالباب)ال عمران 7.فقد اخبر الله عن عظمته.وكمال قيومته.انه هو الذي تفرد بانزال هذا الكتاب العظيم الذي لم يوجد له نظير.او مقارب في هدايته وبلاغته واعجازه واصلاحه للخلق.وان هذا الكتاب يحتوي على المحكم الواضح المعاني البين الذي لا يشتبه بغيره ومنه ايات متشابهات تحتمل المعاني ولا يتعين منها واحد من الاحتمالين بمجردها.فالذين في قلوبهم زيغ ومرض وانحراف لسوء قصدهم يتبعون المتشابه منه فيستدلون منه على مقالاتهم الباطلة وارائهم الزائفة طلبا للفتنة وتحريفا لكتابه وتاويله له على مشاربهم ومذاهبهم ليضلو ويضلو.واهل العلم الراسخون فيه الذين وصل العلم واليقين الى افئدتهم فاثمر لهم العمل والمعارف فيعلمون ان القران كله من عند الله وانه كله حق محكمه ومتشابهه وان الحق لا يتناقض ولا يختلف فلعلمهم ان المحكمات معناها في غاية الصراحة والبيان يردون اليها المتشابه الذي تحصل فيه الحيرة لناقص العلم وناقص المعرفةفيردون المتشابه الى المحكم فيعود كله محكما ويقولون(امنا به كل من عند ربناوما يذكر)اي للامور النافعة والعلوم الصائبة(الا اولو الالباب)اهل العقول الرزينة .ففي هذا دليل على ان هذا من علامة اولي الالباب.وان اتباع المتشابه من اوصاف اهل الاراء السقيمة والعقول الواهية والقصود السيئة. وقال تعالى (شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط لا اله الاهو العزيز الحكيم) ال عمران18 هذه من اجل الشهادات الصادرة من الملك العظيم ومن الملائكة واهل العلم على اجل مشهود عليه وهو توحيد الله وقيامه بالقسط وذلك يتضمن الشهادة علىجميع الشرع .فان الشرع والدين اصله وقاعدته توحيد الله وافراده بالعبودية والاعتراف بانفراده بصفات العظمة والكبرياء.وفي هذه الاية فضيلة العلم والعلماء لان الله خصهم بالذكر من دون البشر وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته.وجعل شهادتهم من اكبر الادلة والبراهين على توحيده ودينه وجزائه وانه واجب على المكلفين قبول هذه الشهادة العادلة الصادقة وفي ضمن ذلك تعديلهم وان الخلق تبع لهم وانهم هم المتبوعون وفي هذا من الفضل والشرف وعلو المكانة ما لا يقادر قدره. وقال تبارك وتعالىفي سورة النساء83(واذا جائهم امر من الامن والخوف اذاعو به ولو ردوه الى الرسول والى اولو الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا)في هذه الاية تاديب من الله لعباده عن فعلهم هذا.الغير لائق.وانه ينبغي لهم اذا جائهم امر من الامور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالامن وسرور المؤمنين او بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ان يتثبتو.ولا يستعجلو باشاعة ذلك الخبر بل يردونه الى الرسول والى اولو الامر منهم اهل الراي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الامور ويعرفون المصالح وضدها فان رأو في اذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من اعدائهم فعلو ذلك وان رأو مافيه مصلحة اوفيه مصلحة .لكن مضرته تزيد على المصلحة لم يذيعوه لهذا قال(لعلم الذين يستنبطونه منهم)اي يستخرجونه بفكرهم وارائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.وقال ايضا في سورة الانبياء7(وما ارسلنا قبلك رجالا نوحي اليهم فسئلو اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون)هذه الاية وان كانت سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين من اهل الذكر وهم اهل العلم.فانها عامة في كل مسالة من مسائل الدين اصوله وفروعه.اذا لم يكن عند الانسان علم منها .ان يسال من يعلمها ففيه الامر على التعلم والسؤال لاهل العلم ولم يؤمر بسؤالهم الا لانه يجب عليهم التعليم والاجابة عما علموه وفي تخصيص السؤال باهل الذكر والعلم نهى عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم. وفي سورة العنكبوت43 يقول ربنا جل وعلا(وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون)اي فهمها وتدبرها وتطبيقها على ما ضربت عليه وعقلها في القلب الا اهل العلم الحقيقي الذين وصل العلم الى قلوبهم وهذا مدح للامثال التي يضربها الله .وحث على تدبرها وتعقلها ومدح لمن يعقلها وانه عنوان على انه من اهل العلم فعلم ان من لم يعقلها ليس من اهل العلم والسبب في ذلك ان الامثال التي يضربها الله في القران انما هي للامور الكبار والمطالب العالية والمسائل الجليلة فاهل العلم يعرفون انها اهم من غيرها لاعتناء الله بها وحثه عباده على تعقلها وتدبرها فيبذلون جهدهم في معرفتها.وقال ايضا في سورة فاطر28(......................انما يخشى الله من عباده العلماء)اي فكل من كان بالله اعلم كان اكثر له خشيه واوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي والاستعداد للقاء من يخشاه وهذا دليل على فضل العلم فانه داع الى خشية الله واهل خشيته هم اهل كرامته كما قال ربنا تبارك وتعالى(رضي الله عنهم ورضو عنه ذلك لمن خشي ربه)وقال في سورة الزمر9(................قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب)قل هل يستوي الذين يعلمون ربهم ويعلمون دينه الجزائي وماله في ذلك من الاسرار والحكم .والذين لايعلمون شيئا من ذلك لا يستوي هؤلاء وهؤلاء كما لا يستوي الليل والنهار.والضياءوالظلام.والنار والماء وقال في سورة المجادلة11 (يا ايها الذين امنو اذا قيل لكم تفسحو في المجالس فافسحو يفسح الله لكم واذا قيل لكم انشزو فانشزو يرفع الله الذين امنو منكم والذين اوتو العلم درجات والله بما تعملون خبير)اي ان القيام بهذه الامور من العلم والايمان والله تعالى يرفع اهل العلم والايمان درجات بحسب ما خصهم به من العلم والايمان وفي هذه الاية قضيلة العلم وزينته وثمرته التأدب بادابه والعمل بمقتضاه.انتهى.فالواجب علينا نحن المسلمون ان نأتمر بما امرنا الله به من تعلم كتاب الله المنزل الينا وتفهمه وتعليمه وقد قال سبحانه وتعالى(الم يأن للذين امنو ان تخشع قلوبهم لذكرالله وما نزل من الحق ولا يكونو كالذين اوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الامدفقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون اعلمو ان الله يحيي الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون)جعلنا الله ممن يرعاه حق رعايته ويتدبره حق تدبره ويقوم بقسطه ويوفي بشرطه ولا يلتمس الهدى في غيره وهدانا لاعلامه الظاهرة واحكامه القاطعة الباهرة وجمع لنا به خير الدنيا والاخرة فانه اهل التقوى واهل المغفرة من تفسير الكريم الرحمن للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي